غنية النزوع فصل في الغصب:
من غصب شيئا له مثل - وهو ما تساوت قيمة أجزائه كالحبوب والأدهان والتمور وما أشبه ذلك - وجب عليه رده بعينه، فإن تلف فعليه مثله بدليل قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، ولأن المثل يعرف والقيمة يرجع فيها إلى الاجتهاد والمعلوم مقدم على المجتهد فيه، ولأنه إذا أخذ المثل أخذ وفق حقه وإذا أخذ القيمة ربما زاد ذلك أو نقص.
فإن أعوز المثل أخذت القيمة، فإن لم يقبض بعد الإعواز حتى مضت مدة اختلفت القيمة فيها كان له المطالبة بالقيمة حين القبض لا حين الإعواز - وإن كان قد حكم بها الحاكم حين الإعواز - لأن الذي ثبت في ذمته المثل بدليل أنه متى زال الإعواز قبل القبض طولب بالمثل، وحكم الحاكم بالقيمة لا ينقل المثل إليها، وإذا كان الواجب المثل اعتبر بدل مثله حين قبض البدل ولم ينظر إلى اختلاف القيمة بعد الإعواز ولا قبله. وإن غصب ما لا مثل له - ومعناه لا يتساوى قيمة أجزائه كالثياب والرقيق والخشب والحطب والحديد والرصاص والعقار وغير ذلك من الأواني وغيرها - وجب أيضا رده بعينه.
فإن تعذر ذلك بتلفه وجب قيمته لأنه لا يمكن الرجوع فيه إلى المثل لأنه إن ساواه في القدر خالفه في الثقل وإن ساواه فيهما خالفه من وجه آخر وهو القيمة، فإذا تعذرت المثلية كان الاعتبار بالقيمة، ويحتج على المخ لف بما رووه من قوله: ع: من أعتق شقصا من عبد قوم عليه، فأوجب عليه القيمة دون المثل.