فيما عرف من اخبار الخليقة، ولا أقيم قط بمنزلة أحد النقدين، واختلفت مذاهب البشر وآراؤهم، فيما يجعلونها بإزاء تلك المحقرات، ولم يزل بمصر، والشام، وعراقي العرب والعجم، وفارس، والروم، في أول الدهر وآخره، ملوك هذه الأقاليم لعظمهم، وشدة بأسهم، ولعزة ملكهم، وكثرة شأوهم وخنزوانية (1) سلطانهم، يجعلون بإزاء هذه المحقرات نحاسا يضربون منه قطعا صغارا تسمى (فلوسا) لشراء ذلك، ولا يكاد يوجد منها الا اليسير، ومع ذلك فإنها لم تقم ابدا في شئ من هذه الأقاليم، بمنزلة أحد النقدين فقط.
وقد كانت الأمم في الاسلام، وقبله لهم أشياء يتعاملون بها بدل الفلوس، كالبيض، والكسر من الخبز، والورق، ولحاء (2) الشجر والودع، الذي يستخرج من البحر، ويقال له الكوري، وغير ذلك. وقد استقصيت ذكره في كتاب (إغاثة الأمة، بكشف الغمة) وكانت الفلوس لا يشترى بها شئ من الأمور الجليلة، وانما هي لنفقات الدور ومن أمعن النظر في اخبار الخليقة، عرف ما كان الناس فيه بمصر، والشام والعراق، من رخاء الأسعار، فيصرف الواحد العدد اليسير من الفلوس في كفاية يومه، الخ.
(3) وقال في تاريخ العرب قبل الاسلام: اما (الفلس) فلفظة يونانية لاتينية الأصل عربت من أصل (Foitts) الأطيني ويراد بها نقود مسكوكة من النحاس وقد استعملها العرب في تعاملهم، واحتفظوا بالأصل الأجنبي. وقد كان وزن الفلس