الجوع بثمنه ليس مكرها عليه لأن الداعي السابق على إرادة البيع هو الرضا وإن كان ما هو سابق على هذا الداعي غير الرضا. ويمكن أن يقال: يشكل الفرق حيث أن الجائع يرى أنه يدور أمره بين الموت أو التألم من الجوع وبيع ثوبه فيرضى بالثاني فرارا عن أشد المحذورين كما أن المتوعد بالضرب مثلا يدور أمره بين التألم بالضرب وبيع ماله فيرضى بالثاني فرارا عن الأشد إلى الأضعف ففي كلتا الصورتين الداعي السابق على الإرادة هو الرضا هذا مضافا إلى أنه خلاف ما سبق من القول بأن من عمل العمل العبادي متقربا إلى الله تعالى وكان الغرض من هذا أخذ الأجرة ليس عمله قربيا من جهة الانتهاء إلى الأمر الدنيوي فمن انتهى أمره إلى أمر يكرهه كيف لا يكون مكرها؟ إلا أن يقال في صورة بيع الثوب لدفع التألم من الجوع الحكم ببطلان البيع خلاف الامتنان وحديث الرفع يدل على رفع الحكم في مقام الامتنان ولكنه يشكل بأن المتيقن الامتنان بالنسبة إلى النوع لا كل فرد، ألا ترى أن نزول المطر يكون امتنانيا بالنسبة إلى نوع البشر وإن كان موجبا للضرر بالنسبة إلى بعض أفراد البشر، وثانيا نقول غاية الأمر عدم شمول حديث الرفع لكن الأدلة الخاصة مثل قوله تعالى " إلا أن تكون تجارة عن تراض " يشمل هذا، مضافا إلى أن المكروه قد لا يرفع إلا مع الصحة كمن طلق امرأته خوفا من وقوعها في ارتكاب الفاحشة وقوعها فيها عليه أشد من الضرب المؤلم، إلا أن يقال بيع الجائع ثوبه وإن كان مكروها للبايع لكنه لا يصدق أنه أكره عليه، لكن هذا يدفع شمول حديث الرفع ولا يدفع شمول الآية الشريفة " إلا أن تكون تجارة عن تراض " إلا أن يتمسك بالاجماع وتخصيص الآية أو يتمسك بحديث الرفع من جهة الاضطرار حيث أن البايع مضطر إلى البيع وكذلك في ما ذكر من صورة عدم ارتفاع المحذور إلا بوقوع الطلاق صحيحا وحديث الرفع حاكم فتأمل جيدا. وما يقال من الفرق من أن الفاعل قد يفعل لدفع الضرر لكنه مستقل في فعله ومخلى وطبعه فيه بحيث يطيب نفسه بفعله وإن كان من باب علاج الضرر وقد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير على تركه وهذا مما لا يطيب النفس به يشكل من جهة أن المستفاد من الآية الشريفة اعتبار الرضا وهذا غير الاستقلال في الفعل فالرضا بملاحظة دفع المحذور في كلتا الصورتين
(٧٨)