أن يفعل، فيقضى إجمالا برجحانه، فيشتد شوقه، فيريد، فيفعل من دون أن يكون الفعل مسبوقا بعلم تفصيلي يتم بالحكم بالرجحان، نظير المتكلم عن ملكة، فيلفظ بالحرف بعد الحرف من غير تصور وتصديق تفصيلا، والفعل علمي اختياري.
وكذا لا ضير في انتفاء الغاية في بعض الحركات الطبيعية أو الإرادية المنقطعة دون الوصول إلى الغاية، ويسمى الفعل حين ذاك (باطلا). وذلك أن انتفاء الغاية في فعل أمر وانتفاء الغاية بانقطاع الحركة وبطلانها أمر آخر، والمدعى امتناع الأول دون الثاني، وهو ظاهر.
وليعلم أن مبادئ الفعل الإرادي منا مترتبة على ما تقدم، فهناك قوة عاملة يترتب عليها الفعل، وهي مترتبة على الإرادة، وهي مترتبة على الشوقية من غير إرادة متخللة بينهما، والشوقية مترتبة على الصورة العلمية الفكرية أو التخيلية من غير إرادة متعلقة بها، بل نفس العلم يفعل الشوق، كذا قالوا (1). ولا ينافيه إسنادهم الشوق إلى بعض من الصفات النفسانية، لأن الصفات النفسانية تلازم العلم.
قال الشيخ في الشفاء: (لانبعاث هذا الشوق علة ما لا محالة، إما عادة، أو ضجر عن هيئة وإرادة انتقال إلى هيئة أخرى، وإما حرص من القوى المحركة والمحسة على أن يتجدد لها فعل تحريك أو إحساس. والعادة لذيذة، والانتقال عن المملول لذيذ، والحرص على الفعل الجديد لذيذ - أعني بحسب القوة الحيوانية والتخيلية -. واللذة هي الخير الحسي والحيواني والتخيلي بالحقيقة، وهي المظنونة خيرا بحسب الخير الإنساني. فإذا كان المبدأ تخيليا حيوانيا فيكون خيره لا محالة تخيليا حيوانيا، فليس إذن هذا الفعل خاليا عن خير بحسبه، وإن لم يكن خيرا حقيقيا - أي بحسب العقل -) (2) انتهى.
ثم إن الشوق لما كان لا يتعلق إلا بكمال مفقود غير موجود كان مختصا بالفاعل العلمي المتعلق بالمادة نوعا من التعلق، فالفاعل المجرد ليس فيه من