انتهى إلى خلاف ذلك تركه. وهذا الميل والانعطاف إلى أحد الطرفين هو الذي نسميه (اختيارا) ونعد الفعل الصادر عنه فعلا اختياريا.
فتبين أن فعل هذا النوع من الفاعل العلمي يتوقف على حضور التصديق بوجوب الفعل، أي كونه كمالا وكون ما يقابله - أي الترك - خلاف ذلك، فإن كان التصديق به حاضرا في النفس من دون حاجة إلى تعمل فكري لم يلبث دون أن يأتي بالفعل، وإن لم يكن حاضرا احتاج إلى ترو وفكر حتى يطبق على الفعل المأتي به صفة الوجوب والرجحان وعلى تركه صفة الاستحالة والمرجوحية، من غير فرق بين أن يكون رجحان الفعل ومرجوحية الترك مستندين إلى طبع الأمر، كمن كان قاعدا تحت جدار يريد أن ينقض عليه، فإنه يقوم خوفا من إنهدامه عليه، أو كانا مستندين إلى إجبار مجبر، كمن كان قاعدا مستظلا بجدار فهدده جبار أنه إن لم يقم هدم الجدار عليه، فإنه يقوم خوفا من انهدامه عليه. والفعل في الصورتين إرادي، والتصديق على نحو واحد.
ومن هنا يظهر أن الفعل الإجباري لا يباين الفعل الاختياري ولا يتميز منه بحسب الوجود الخارجي بحيث يصير الفاعل بالجبر قسيما للفاعل بالقصد.
فقصارى ما يضعه المجبر أنه يجعل الفعل ذا طرف واحد فيواجه الفاعل المكره فعلا ذا طرف واحد ليس له إلا أن يفعله، كما لو كان الفعل بحسب طبعه كذلك.
نعم العقلاء في سننهم الاجتماعية فرقوا بين الفعلين حفظا لمصلحة الاجتماع، ورعاية لقوانينهم الجارية المستتبعة للمدح والذم والثواب والعقاب. فانقسام الفعل إلى الاختياري والجبري إنقسام اعتباري لا حقيقي.
ويظهر أيضا أن الفاعل بالعناية من نوع الفاعل بالقصد، فإن تصور السقوط ممن قام على جذع عال - مثلا - علم واحد موجود في الخائف الذي أدهشه تصور السقوط فيسقط، وفيمن اعتاد القيام عليه بتكرار العمل فلا يخاف ولا يسقط، كالبناء - مثلا - فوق الأبنية والجدران العالية جدا.
فالصاعد فوق جدار عال القائم عليه يعلم أن من الممكن أن يثبت في مكانه