ذكروا - وهو الحق - أن النفس الإنسانية العقلية مادة للمعقولات المجردة، وهي مجردة كلما تعقلت معقولا صارت هي هو.
فإنا نقول: خروج النفس المجردة من القوة إلى الفعل باتحادها بعقل بعد عقل ليس من باب الحركة المعروفة التي هي كمال أول لما بالقوة من حيث إنه بالقوة، وإلا استلزم قوة واستعدادا وتغيرا وزمانا، وكل ذلك ينافي التجرد الذي هو الفعلية التامة العارية من القوة.
بل المراد بكون النفس مادة للصور المعقولة اشتداد وجودها المجرد من غير تغير وزمان باتحادها بالمرتبة العقلية التي فوق مرتبة وجودها بإضافة المرتبة العالية، وهي الشرط في إفاضة المرتبة التي هي فوق ما فوقها.
وبالجملة مادية النفس للصور المجردة المعقولة غير المادية بالمعنى الذي في عالم الأجسام نوعا، وناهيك في ذلك عدم وجود خواص المادة الجسمانية هناك.
لا يقال (1): الحجة منقوضة بنفس المادة، فإنها في نفسها جوهر موجود بالفعل ولها قوة قبول الأشياء، فيلزم تركبها من صورة تكون بها بالفعل ومادة تكون بها بالقوة، وننقل الكلام إلى مادة المادة وهلم جرا فيتسلسل، وبذلك يتبين أن الاشتمال على القوة والفعل لا يستلزم تركبا في الجسم.
لأنه يقال - كما أجاب عنه الشيخ (2) -: إن المادة متضمنة للقوة والفعل، لكن قوتها عين فعليتها وفعليتها عين قوتها، فهي في ذاتها محض قوة الأشياء، لا فعلية