" أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا، فقال له: ما تشتهى؟ فقال: أشتهي خبز بر. وفى لفظ:
أشتهي كعكا. فقال النبي (1) صلى الله عليه وسلم: من كان عنده خبز بر، فليبعث إلى أخيه. ثم قال: إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا، فليطعمه " (2).
ففي هذا الحديث سر طبي لطيف: فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي، وكان فيه ضرر ما -: كان أنفع وأقل ضررا مما لا يشتهيه. وإن كان نافعا في نفسه: فإن صدق شهوته، ومحبة الطبيعة له - تدفع (3) ضرره. وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع، قد يجلب لها منه ضررا. وبالجملة: فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية. فتهضمه على أحمد الوجوه، سيما عند انبعاث (النفس) (4) إليه بصدق الشهوة، وصحة القوة. والله أعلم.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرمد بالسكون والرعة وترك الحركة، والحمية مما يهيج الرمد وقد تقدم: أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى صهيبا من التمر، وأنكر عليه أكله: وهو أرمد.
وحمى عليا من الرطب لما أصابه الرمد وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي: " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رمدت عين امرأة من نسائه: لم يأتها حتى تبرأ عينها ".
(الرمد): ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين، وهو بياضها الظاهر. وسببه:
انصباب أحد الاخلاط الأربعة، أو ريح حارة تكثر كميتها في الرأس والبدن، فينبعث منها قسط إلى جوهر العين، أو ضربة تصيب العين، فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقدارا كثيرا، تروم بذلك شفاءها مما عرض لها. ولأجل ذلك يورم العضو المضروب.
والقياس يوجب ضده.