إلهي: صادر عن الوحي، ومشكاة النبوة، وكمال العقل. وطب غيره أكثره حدس (1) وظنون وتجارب، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء له، وكمال التلقي له: بالايمان والاذعان. فهذا القرآن - الذي هو شفاء لما في الصدور - إن لم يتلق هذا التلقي: لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها، بل لا يزيد المنافقين إلا رجسا إلى رجسهم، ومرضا إلى مرضهم. وأين يقع (2) طب الأبدان منه؟! فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة: كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة، والقلوب الحية. فإعراض الناس عن طب النبوة: كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو: الشفاء النافع. وليس ذلك لقصور في الدواء، ولكن:
لخبث الطبيعة، وفساد المحل وعدم قبوله. والله الموفق.
(فصل) وقد اختلف الناس في قوله تعالى: (يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه: فيه شفاء للناس)، هل الضمير في " فيه " راجع إلى الشراب؟ أو راجع إلى القرآن؟ - على قولين، الصحيح (منهما): رجوعه إلى الشراب. وهو قول ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وقتادة، والأكثرين. فإنه هو المذكور، والكلام سيق لأجله. ولا ذكر للقرآن في الآية. وهذا الحديث الصحيح - وهو قوله: " صدق الله " - كالصريح فيه. والله تعالى أعلم.
فصل في هديه في الطاعون وعلاجه، والاحتراز منه في الصحيحين - عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه -: " أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد: ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الطاعون؟ فقال أسامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل، وعلى من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض: فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض - وأنتم بها - فلا تخرجوا منها فرارا منه (3).