تنضجها، وتدفع شرها: إذا لم يسرف في تناولها، ولم يحمل منها الطبيعة فوق ما تحتمله، ولم يفسد بها الغذاء قبل هضمه، ولا أفسدها بشرب الماء عليها، وتناول الغذاء بعد التحلي منها. فإن القولنج كثيرا ما يحدث عند ذلك. فمن أكل منها ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي -: كانت له دواء نافعا.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في هيئة الجلوس للاكل صح عنه أن قال: " لا آكل متكئا " وقال: " إنما أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد ". وروى ابن ماجة في سننه: " أنه نهى أن يأكل الرجل وهو منبطح على وجهه ".
وقد فسر الاتكاء: بالتربع (1). وفسر: بالاتكاء على الشئ، وهو الاعتماد عليه.
وفسر بالاتكاء على الجنب. والأنواع الثلاثة من الاتكاء، فنوع منها يضر بالاكل، وهو:
الاتكاء على الجنب. فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعي عن هيئته، ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة، ويضغط المعدة: فلا يستحكم فتحها للغذاء. وأيضا: فإنها تميل ولا تبقى منتصبة، فلا يصل الغذاء إليها بسهولة.
وأما النوعان الآخران، فمن جلوس الجبابرة المنافى للعبودية. ولهذا قال: " آكل كما يأكل العبد "، وكان يأكل وهو مقع. ويذكر عنه: " أنه كان يجلس للاكل متوركا على ركبتيه، ويضع بطن قدمه اليسرى، على ظهر قدمه اليمنى "، تواضعا لربه عز وجل، وأدبا بين يديه، واحتراما للطعام وللمؤاكل. فهذه الهيئة أنفع هيئات الاكل وأفضلها: لان الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي، الذي خلقها الله سبحانه عليه، مع ما فيها من الهيئة الأدبية. وأجود ما اغتذى الانسان: إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطبيعي، ولا يكون كذلك إلا إذا كان الانسان منتصبا الانتصاب الطبيعي. وأردأ (2) الجلسات للاكل الاتكاء على الجنب، لما تقدم: من أن المرئ وأعضاء الازدراد تضيق عند هذه الهيئة، والمعدة لا تبقى