لم يحس به، وإذا لم يحس به: لم يتألم عنه. وإن كان دونه: فعدم الانفعال يكون أولى. فلو لم يكن في البدن جزء مسخن بالطبع: لما انفعل عن البرد، ولا تألم به.
قالوا: وأدلتكم إنما تبطل قول من يقول: الاجزاء النارية باقية في هذه المركبات على حالها وطبيعتها النارية. ونحن لا نقول بذلك، بل نقول: إن صورتها النوعية تفسد عند الامتزاج.
قال الآخرون: لم لا يجوز أن يقال: إن الأرض والماء والهواء إذا اختلطت: فالحرارة المنضجة الطابخة لها، هي: حرارة الشمس وسائر الكواكب. ثم ذلك المركب، عند كمال نضجه، يستعد لقبول الهيئة التركيبية بواسطة السخونة: نباتا كان، أو حيوانا، أو معدنا؟
وما المانع أن تكون السخونة والحرارة التي في المركبات، هي بسبب خواص وقوى يحدثها الله تعالى. عند ذلك الامتزاج. لا من أجزاء نارية بالفعل؟ ولا سبيل لكم إلى إبطال هذا الامكان البتة. وقد اعترف جماعة من فضلاء الأطباء بذلك.
وأما حديث إحساس البدن بالبرد، فنقول: هذا يدل على أن في البدن حرارة وتسخينا، ومن ينكر ذلك؟! لكن: ما الدليل على انحصار المسخن في النار؟ فإنه وإن كان كل نار مسخنا، فإن هذه القضية لا تنعكس كلية، بل عكسها الصادق: " بعض المسخن نار ". وأما قولكم بفساد صورة النار النوعية، فأكثر الأطباء على بقاء صورتها النوعية. والقول بفسادها قول فاسد قد اعترف بفساده أفضل متأخريكم، في كتابه المسمى: " بالشفاء " (1)، وبرهن على بقاء الأركان أجمع، على طبائعها في المركبات. وبالله التوفيق.
(فصل) وكان علاجه - صلى الله عليه وسلم - للمرض، ثلاثة أنواع: (أحدها) بالأدوية الطبيعية. (والثاني): بالأدوية الإلهية. (والثالث): بالمركب من الامرين.