وأما غيره من الأدوية المحرمة، فنوعان: (أحدهما): تعافه النفس، ولا تنبعث لمساعدته الطبيعة على دفع المرض. كالسموم ولحوم الأفاعي، وغيرها: من المستقذرات. فيبقى كلا على الطبيعة مثقلا لها، فيصير حينئذ داء لا دواء. (والثاني): مالا تعافه النفس، كالشراب الذي تستعمله الحوامل مثلا. فهذا ضرره أكثر من نفعه. والعقل يقضى بتحريم ذلك.
فالعقل والفطرة مطابق للشرع في ذلك.
وههنا سر لطيف في كون المحرمات لا يستشفى بها: فإن شرط الشفاء بالدواء، تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء. فإن النافع هو المبارك، وأنفع الأشياء أبركها، والمبارك من الناس أينما كان، هو: الذي ينتفع به حيث حل. ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين، مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها وبين حسن ظنه بها، وتلقى طبعه لها بالقبول. بل كلما كان العبد أعظم إيمانا: كان أكره لها، وأسوأ اعتقادا فيها، وطبعه أكره شئ لها. فإذا تناولها في هذه الحال: كانت داء له لا دواء، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها، وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة. وهذا ينافي الايمان. فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء. والله أعلم.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج القمل الذي في الرأس وإزالته في الصحيحين عن كعب بن عجرة، قال " كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي - فقال: ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما أرى "، وفى رواية: " فأمره: أن يحلق رأسه، وأن يطعم فرقا بين ستة، أو يهدى شاة، أو يصوم ثلاثة أيام (1) ".
القمل يتولد في الرأس والبدن من شيئين: خارج عن البدن، وداخل فيه. فالخارج: الوسخ والدنس المركب في سطح الجسد. والثاني: من خلط ردئ عفن، تدفعه الطبيعة بين الجلد .