وأما إذا فعله نادرا أو لحاجة: لم يضره.
ولا يعترض بالعوائد على هذا: فإن العوائد طبائع ثوان، ولها أحكام أخرى، وهى بمنزلة الخارج عن القياس عند الفقهاء.
(فصل) وفى صحيح مسلم - من حديث أنس بن مالك - قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا، ويقول: إنه أروى وأمرأ وأبرأ ". (1) (الشراب) في لسان الشارع وحملة الشرع - هو: الماء. ومعنى تنفسه في الشراب:
إبانة القدح عن فيه وتنفسه خارجه، ثم يعود إلى الشراب. كما جاء مصرحا به في الحديث الاخر: " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في القدح، ولكن: ليبن الاناء عن فيه ".
وفى هذا الشرب حكم جمة، وفوائد مهمة، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على مجامعها، بقوله: " إنه أروى وأمرأ وأبرأ ". فأروى: أشد ريا وأبلغه وأنفعه. وأبرأ: أفعل من البرء - وهو الشفاء - أي: يبرئ من شدة العطش ودائه، لتردده على المعدة المتلهبة دفعات، فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه، والثالثة ما عجزت الثانية عنه. وأيضا: فإنه أسلم لحرارة المعدة، وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد وهلة واحدة، ونهلة واحدة.
وأيضا: فإنه لا يروى لمصادفته لحرارة العطش لحظة، ثم يقلع عنها ولما تكسر سورتها وحدتها. وإن انكسرت لم تبطل بالكلية، بخلاف كسرها على التمهل والتدريج.
وأيضا: فإنه أسلم عاقبة و آمن غائلة من تناول جميع ما يروى دفعة واحدة. فإنه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية - بشدة برده، وكثرة كميته - أو يضعفها: فيؤدى ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد، وإلى أمراض رديئة خصوصا في سكان البلاد الحارة:
كالحجاز واليمن ونحوهما: أو في الأزمنة الحارة: كشدة الصيف. فإن الشرب وهلة واحدة مخوف عليهم جدا: فإن الحار الغريزي ضعيف في بواطن أهلها، وفى تلك الأزمنة الحارة.
وقوله: " وأمرأ " هو أفعل من " مرئ الطعام والشراب في بدنه ": إذا دخله وخالطه