أهلها، فاجتمع لدلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت، ثم صنع ثريد، فصبت التلبينة عليها، ثم قالت: كلن منها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التلبينة مجمة لفؤاد المريض، تذهب ببعض الحزن " (1).
وفى السنن، من حديث عائشة أيضا، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالبغيض النافع، التلبين " (2)، قالت: " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى أحد من أهله: لم تزل البرمة على النار، حتى ينتهى أحد طرفيه " يعنى: يبرأ أو يموت.
وعنها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قيل له: إن فلانا وجع لا يطعم الطعام، قال: عليكم بالتلبينة فحسوه إياها. ويقول: الذي نفسي بيده، إنها تغسل بطن أحدكم كما تغسل إحداكن وجهها من الوسخ " (3).
(التلبين) هو: الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن، ومنه اشتق اسمه. قال الهروي:
" سميت تلبينة: لشهها باللبن، لبياضها ورقتها ". وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق النضيج، لا الغليظ النيئ. وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة: فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي (4) أفضل من ماء الشعير لهم: فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته. والفرق بينها وبين ماء الشعير: أنه يطبخ صحاحا، والتلبينة تطبخ منه مطحونا.
وهى أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن.
وقد تقدم: أن للعادات تأثيرا في الانتفاع بالأدوية والأغذية. وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحونا، لا صحاحا. وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلا، وأعظم جلاء. وإنما أطباء المدن منه صحاحا: ليكون أرق وألطف، فلا يثقل على طبيعة المريض. وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها، وثقل ماء الشعير المطحون عليها.
.