ولحم الفصيل منه: من ألذ اللحوم وأطيبها، وأقواها غذاء. وهو لمن اعتاده بمنزلة لحم الضأن: لا يضرهم البتة، ولا يولد لهم داء. وإنما ذمه بعض الأطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية: من أهل الحضر الذين لم يعتادوه. فإن فيه حرارة ويبسا، وتوليدا للسوداء. وهو عسر الانهضام.
وفيه قوة غير محمودة، لأجلها أمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالوضوء من أكله، في حديثين صحيحين: لا معارض لهما. ولا يصح تأويلهما بغسل اليد: لأنه خلاف المعهود من الوضوء في كلامه صلى الله عليه وسلم، لتفريقه بينه وبين لحم الغنم: فخير بين الوضوء وتركه منها، وحتم الوضوء من لحوم الإبل. ولو حمل الوضوء على غسل اليد فقط، لحمل على ذلك قوله: " من مس فرجه فليتوضأ ".
(وأيضا): فإن آكلها قد لا يباشر أكلها بيده: بأن يوضع في فمه. فإن كان وضوءه غسل يده، فهو: عبث، وحمل لكلام الشارع على غير معهوده وعرفه!!.
ولا يصح معارضته بحديث: " كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترك الوضوء مما مست النار "، لعدة أوجه:
(أحدها): أن هذا عام، والامر بالوضوء منها خاص.
(الثاني): أن الجهة مختلفة، فالامر بالوضوء منها: بجهة كونها لحم إبل، سواء كان نيئا، أو مطبوخا، أو قديدا. ولا تأثير للنار في الوضوء. أما ترك الوضوء مما مست النار، ففيه بيان أن مس النار ليس بسبب للوضوء. فأين أحدهما من الاخر؟ هذا فيه إثبات سبب الوضوء، وهو: كونه لحم الإبل. وهذا فيه نفى لسبب الوضوء، وهو كونه ممسوس النار.
فلا تعارض بينهما بوجه.
(الثالث): أن هذا ليس فيه حكاية لفظ عام عن صاحب الشرع، وإنما هو إخبار عن واقعة فعل في أمرين: أحدهما متقدم على الاخر، كما جاء ذلك مبينا في نفس الحديث:
" أنهم قربوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم لحما، فأكل. ثم حضرت الصلاة، فتوضأ وصلى. ثم قربوه