وأما النفخ في الشراب: فإنه يكسبه من فم النافخ رائحة كريهة، يعاف لأجلها، ولا سيما إن كان متغير الفم. وبالجملة: فأنفاس النافخ تخالطه.
ولهذا، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم - بين النهى عن التنفس في الاناء، والنفخ فيه - في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه، عن ابن عباس رضي الله عنهما (1)، قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يتنفس في الاناء، أو ينفخ فيه ".
فإن قيل: فما تصنعون بما في الصحيحين - من حديث أنس -: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الاناء ثلاثا "؟.
قيل: نقابله بالقبول والتسليم، ولا معارضة بينه وبين الأول. فإن معناه: أنه كان يتنفس في شربه ثلاثا، وذكر الاناء: لأنه آلة الشرب. وهذا كما جاء في الحديث الصحيح:
" أن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم - مات في الثدي "، أي: في مدة الرضاع.
(فصل) وكان صلى الله عليه وسلم يشرب اللبن: خالصا تارة، ومشوبا بالماء أخرى.
وفى شرب اللبن الحلو في تلك البلاد الحارة - خالصا ومشوبا - نفع عظيم: في حفظ الصحة، وترطيب البدن، ورى الكبد، ولا سيما اللبن الذي ترعى دوابه الشيح والقيصوم والخزامى، وما أشبهها. فإن لبنها: غذاء مع الأغذية، وشراب مع الأشربة، ودواء مع الأدوية.
وفى جامع الترمذي - عنه صلى الله عليه وسلم -: " إذا أكل أحدكم طعاما، فليقل: اللهم، بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرا منه. وإذا سقى لبنا، فليقل: اللهم، بارك لنا فيه، وزدنا منه.
فإنه ليس شئ يجزى (2) من الطعام والشراب، إلا اللبن ". قال الترمذي: هذا حديث حسن.