وهو أصل في حفظ الصحة. بل علم الطب كله يستفاد من هذا. وفي استعمال ذلك وأمثاله في الأغذية والأدوية، إصلاح لها وتعديل، ودفع لما فيها: من الكيفيات المضرة، لما يقابلها وفى ذلك عون على صحة البدن وقوته وخصبه.
قالت عائشة رضي الله عنها: " سمنوني بكل شئ، فلم أسمن. فسمنوني بالقثاء والرطب، فسمنت ".
وبالجملة: فدفع ضرر البارد بالحار، والحار بالبارد، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وتعديل أحدهما بالآخر -: من أبلغ أنواع العلاجات وحفظ الصحة.
ونظير هذا ما تقدم: من أمره بالسنا والسنوت، وهو: العسل الذي فيه شئ من السمن يصلح به السنا ويعدله. فصلوات الله وسلامه على من بعث بعمارة القلوب والابدان، وبمصالح الدنيا والآخرة.
فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية الدواء كله شيئان: حمية، وحفظ صحة. فإذا وقع التخليط: احتيج إلى الاستفراغ الموافق. وكذلك مدار الطب كله على هذه القواعد الثلاث.
والحمية حميتان: حمية عما يجلب المرض، وحمية عما يزيده، فيقف على حاله. فالأولى:
حمية الأصحاء. والثانية: حمية المرضى. فإن المريض إذا احتمى: وقف مرضه عن التزايد، وأخذت القوى في دفعه.
والأصل في الحمية قوله تعالى: (وإن كنتم مرضى، أو على سفر، أو جاء أحد منكم من الغائط، أو لامستم النساء، فلم تجدوا ماء، فتيمموا صعيدا طيبا)، فحمى المريض من استعمال الماء: لأنه يضره.
وفى سنن ابن ماجة وغيره، عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية، قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه علي، وعلي ناقة من مرض، ولنا دوال معلقة. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم (6 - الطب النبوي)