والسحر - بحيث تمنع إصابته -: من الخواص التي لو قالها أبقراط وجالينوس وغيرهما من الأطباء، لتلقاها عنهم الأطباء بالقبول والاذعان والانقياد. مع أن القائل إنما معه الحدس والتخمين والظن. فمن كلامه كله يقين وقطع وبرهان ووحى، أولى أن تتلقى أقواله بالقبول والتسليم، وترك الاعتراض. وأدوية السموم تارة تكون بالخاصية، كخواص كثير من الاحجار والجواهر واليواقيت. والله أعلم.
(فصل) ويجوز نفع التمر المذكور في بعض السموم. فيكون الحديث من العام المخصوص. ويجوز نفعه، لخاصية تلك البلد وتلك التربة الخاصة، من كل سم (؟). ولكن ههنا أمر لا بد من بيانه، وهو: أن من شرط انتفاع العليل بالدواء قبوله واعتقاده النفع به، فتقبله الطبيعة فتستعين به على دفع العلة. حتى إن كثيرا من المعالجات تنفع () بالاعتقاد وحسن القبول، وكمال التلقي. وقد شاهد الناس من ذلك عجائب. وهذا: لان الطبيعة يشتد قبولها له، وتفرح النفس به، فتنتعش القوة، ويقوى سلطان الطبيعة، وينبعث الحار الغريزي فيساعد على دفع المؤذى. وبالعكس يكون كثير من الأدوية نافعا لتلك العلة، فيقطع عمله سوء اعتقاد العليل فيه، وعدم أخذ الطبيعة له بالقبول، فلا يجدى (2) عليها شيئا.
واعتبر هذا بأعظم الأدوية والأسقية (3)، وأنفعها للقلوب والابدان، والمعاش والمعاد، والدنيا والآخرة، وهو: القرآن الذي هو شفاء من كل داء، كيف لا ينفع القلوب التي لا تعتقد فيه الشفاء والنفع، بل لا يزيدها إلا مرضا على مرضها. وليس لشفاء القلوب دواء قط أنفع من القرآن: فإنه شفاؤها التام الكامل الذي لا يغادر فيها سقما إلا أبرأه، ويحفظ عليها صحتها المطلقة، ويحميها الحمية التامة من كل مؤذ ومضر. ومع هذا فإعراض أكثر القلوب عنه، وعدم اعتقادها الجازم الذي لا ريب فيه أنه كذلك، وعدم استعماله، والعدول عنه إلى الأدوية التي ركبها بنو حدسها (4) - حال بينها وبين الشفاء به، وغلبت العوائد، .