فلا تطلب الأعضاء معلومها: من الغذاء المعتاد، لاشتغالها بما هو أحب إليها وإلى الطبيعة منه.
والطبيعة إذا ظفرت بما تحب: آثرته على ما هو دونه.
وإن كان الوارد مؤلما أو محزنا أو مخوفا: اشتغلت بمحاربته ومقاومته ومدافعته، عن طلب الغذاء. فهي - في حال حربها - في شغل عن طلب الطعام والشراب. فإن ظفرت في هذا الحرب: انتعشت قواها، وأخلفت (1) عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام والشراب. وإن كانت مغلوبة مقهورة: انحطت قواها بحسب ما حصل لها من ذلك.
وإن كانت الحرب بينها وبين هذا العدو سجالا: فالقوة تظهر تارة، وتخفى أخرى.
وبالجملة: فالحرب بينهما على مثال الحرب الخارج بين العدوين المتقابلين، والنصر للغالب.
والمغلوب: إما قتيل، وإما جريح، وإما أسير.
فالمريض له مدد من الله تعالى يغذيه به زائدا على ما ذكره الأطباء: من تغذيته بالدم.
وهذا المدد بحسب ضعفه وانكساره، وانطراحه بين يدي ربه عز وجل. فيحصل له من ذلك ما يوجب له قربا من ربه. فإن العبد أقرب ما يكون من ربه: إذا انكسر قلبه، ورحمة ربه قريبة منه. فإن كان وليا له: حصل له من الأغذية القلبية، ما تقوى به قوى طبيعته وتنتعش به قواه، أعظم من قوتها وانتعاشها بالأغذية البدنية. وكلما قوى إيمانه وحبه لربه وأنسه به وفرحه به، وقوى يقينه بربه، واشتد شوقه إليه ورضاه به وعنه -: وجد في نفسه من هذه القوة، مالا يعبر عنه، ولا يدركه وصف طبيب، ولا يناله علمه.
ومن غلظ طبعه، وكثفت نفسه عن فهم هذا والتصديق به -: فلينظر حال كثير من عشاق الصور الذين قد امتلأت قلوبهم بحب ما يعشقونه: من صورة، أو جاه، أو مال، أو علم. وقد شاهد الناس من هذا عجائب في أنفسهم، وفى وغيرهم.
وقد ثبت في الصحيح - عن النبي صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يواصل في الصيام (الأيام) (2) .