تفضل (1) عنه بغير منفعة ولا فائدة فتأوى الهوام في خلوها. ولم يكن فيها كنف تؤذى ساكنها برائحتها، بل رائحتها من أطيب الروائح: لأنه كان يحب الطيب ولا يزال عنده، وريحه هو من أطيب الرائحة، وعرفه (2) من أطيب الطيب ولم يكن في الدار كنيف تظهر رائحته.
ولا ريب أن هذه من أعدل المساكن وأنفعها، وأوفقها للبدن وحفظ صحته.
فصل في تدبيره لأمر النوم واليقظة ومن (3) تدبر نومه ويقظته صلى الله عليه وسلم: وجده أعدل نوم وأنفعه للبدن والأعضاء والقوى، فإنه كان ينام أول الليل، ويستيقظ أول النصف الثاني، فيقوم ويستاك ويتوضأ ويصلى ما كتب الله له. فيأخذ البدن والأعضاء والقوى حظها من النوم والراحة، وحظها من الرياضة، مع وفور الاجر. وهذا غاية صلاح القلب والبدن والدنيا والآخرة.
ولم يكن يأخذ من النوم فوق القدر المحتاج إليه، ولا يمنع نفسه من القدر المحتاج إليه منه. وكان يفعله على أكمل الوجوه، فينام - إذا دعته الحاجة إلى النوم - على شقة الأيمن:
ذاكرا الله حتى تغلبه عيناه، غير ممتلئ البدن من الطعام والشراب، ولا مباشر بجنبه الأرض، ولا متخذ للفرش المرتفعة، بل له ضجاع (4) من أدم حشوه ليف. وكان يضطجع على الوسادة، ويضع يده تحت خده أحيانا.
ونحن نذكر فصلا في النوم، والنافع (5) منه والضار. فنقول:
(النوم): حالة للبدن يتبعها غور الحرارة الغريزية والقوى إلى باطن البدن، لطلب