فاعلم أن مادة السحر الذي أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم، انتهت إلى رأسه: إلى إحدى قواه التي فيه، بحيث كان يخيل إليه أنه يفعل الشئ ولم يفعله. وهذا تصرف من الساحر في الطبيعة والمادة الدموية: بحيث غلبت تلك المادة على البطن المقدم منه، فغيرت مزاجه عن طبيعته الأصلية.
والسحر (1) مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة، وانفعال القوى الطبيعية عنها. وهو سحر التمريجات (2). وهو أشد ما يكون من السحر، ولا سيما في الموضع الذي انتهى (3) إليه السحر. واستعمال الحجامة على ذلك المكان - الذي تضررت أفعاله بالسحر - من أنفع المعالجة: إذا استعملت على القانون الذي ينبغي. قال أبقراط: " الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ يجب أن تستفرغ من (4) المواضع التي هي إليها أميل، بالأشياء التي تصلح لاستفراغها ".
وقالت طائفة من الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب بهذا الداء، وكان يخيل إليه أنه فعل الشئ ولم يفعله -: ظن أن ذلك عن مادة دموية أو غيرها، مالت إلى جهة الدماغ، وغلبت على البطن المقدم منه، فأزالت مزاجه عن الحالة الطبيعية له. وكان استعمال الحجامة - إذ ذاك - من أبلغ الأدوية، وأنفع المعالجة، فاحتجم. وكان ذلك قبل أن يوحى إليه:
أن ذلك من السحر. فلما جاءه الوحي من الله تعالى، وأخبره أنه قد سحر -: عدل إلى العلاج الحقيقي، وهو استخراج السحر وإبطاله، فسأل الله سبحانه: فدله على مكانه، فاستخرجه. فقام كأنما نشط من عقال. وكان غاية هذا السحر فيه إنما هو في جسده وظاهر جوارحه، لاعلى عقله وقلبه. ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يخيل إليه: من إتيان النساء، بل يعلم أنه خيال لا حقيقة له. ومثل هذا قد يحدث من بعض الأمراض. والله أعلم.
(فصل) ومن أنفع علاجات السحر: الأدوية الإلهية: بل هي أدويته النافعة بالذات. فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية. ودفع تأثيرها يكون بما يعارضها ويقاومها: