لقد شرحنا في محاضرات سابقة أن الغرائز والهدايات التكوينية في عالم الحيوانات هي التي تخطط لها طريق تكاملها وتقدمها، وهي مجبرة على الانقياد لها ولا توجد هناك رقابة لتنفيذ تلك الخطط من قبل الحيوانات، أما الانسان العاقل والحر في إطاعة الإلهام الإلهي ومخالفته، يستطيع أن ينقاد لتلك الهداية ويسعد بها أو يخالف فيشقى . إن الايمان وإحياء المعرفة الفطرية هو الرقيب الصارم لتنفيذ الهدايات التكوينية والفطريات الخلقية. إن القوة الايمانية تستطيع أن تحفظ الانسان في مزالق الغرائز.
وتحثه على إطاعة أوامر الوجدان الأخلاقي والالهام الإلهي.
تعارض الوجدان والغرائز:
إن جميع الناس يملكون وجدانا فطريا... كلهم يعلمون أن الظلم قبيح ويدركون أن الخيانة سيئة... الكل يرتاحون للصدق، ويميلون فطريا إلى الأمانة والوفاء بالوعد، كل الناس يستاءون من الخيانة والكذب وبصورة موجزة: فان الناس جميعا يدركون حسن وقبح أصول الفضائل والرذائل بوحي من فطرتهم. ولكنهم في مقام العمل قلما يلتفتون إلى نداء الفطرة، ذلك أن الانسان حر في إطاعة أوامر الوجدان أو الخروج عليها فعندما لا يوجد تعارض أو تصادم بين الوجدان والميول النفسانية فان الانقياد للوجدان أمر هين. ولكن عندما تستلزم إطاعة الوجدان الأخلاقي التخلي عن بعض الميول الغريزية فهناك تشتد العقدة، وفي الغاب تنتصر الغريزة ويندحر الوجدان، إلا إذا كان الوجدان مستندا إلى الايمان وكان الاعتقاد الحقيقي بخالق الكون يدعم الصفات الانسانية.
لقد تعرض الصديق يوسف في ريعان شبابه وأحرج مراحل نضجه الجنسي، إلى أخطر مشكلة منافية للعفة والشرف: فقد وقعت امرأة متزوجة في غرامه، وعرضت عليه الاتصال الجنسي به. كانا - كلاهما - بشرين ولكل منها رصيد ضخم من الميول الجنسية... ولكن قوة الغريزة غلبت على عفة المرأة وجعلتها تطاوع رجلا غريبا في نفسها فاستسلمت إلى ميولها بينما نجد أن للقوة الايمانية والبرهان الإلهي الأثر الفعال في الدفاع عن عفة يوسف وصد تيار الغريزة الجارف. وبذلك حفظ شرفه، واحتفظ على نقاوة ذيله من دنس