جمعا كثيرا وجيشا واسعا كبيرا، فقال له المنصور: ترى هل يكون في هذا الجيش ألف مقاتل من أهل الشجاعة والنجدة والبسالة؟ فسكت ابن المضجعي فقال له المنصور: ما سكوتك أليس في هذا الجيش ألف مقاتل؟ قال: لا، فتعجب المنصور. ثم قال: فهل فيهم خمسمائة مقاتل من الأبطال المعدودين؟ قال: لا. فحنق المنصور ثم قال: أفيهم مائة رجل من الأبطال؟ قال: لا، قال: أفيهم خمسون رجلا م الأبطال؟
قال: لا، فسبه المنصور وأغلظ عليه وأمر به، فأخرج على أسوأ حل. فلما توسطوا بلاد الروم اجتمعت الروم وتصادف الجمعان. فبرز علج من الروم بين الصفين شاكي السلاح وجعل يكر ويفر ويقول: هل من مبارز؟! فبرز إليه رجل من المسلمين فتجاولا ساعة، فقتله العلج. ففرج المشركون وصالحوا واضطراب المسلمون لها. ثم جعل العلج يموج بين الصفين وينادي: هل من مبارز؟! اثنين لواحد. فبرز إليه رجل من المسلمين فتجاولا ساعة فقتله العلج، وجعل يكر ويحمل وينادي ويقول: هل من مبارز؟! ثلاثة لواحد!!. فبرز إليه رجل من المسلمين فقتله العلج، فصاح المشركون وذل المسلمون وكادت أن تكون كسرة فقيل للمنصور: ما لها إلا ابن المضجعي. فبعث إليه فحضر فقال له المنصور: ألا ترى ما صنع هذا العلج الكلب منذ هذا اليوم فقال: لقد رأيته فما الذي تريد؟ قال: أن تكفي المسلمين شره. قال: الآن يكفي المسلمون شره إن شاء الله تعالى. ثم قصد إلى رجال يعرفهم. فاستقبله رجل من أهل الثغور على فرس قد تهرت أوراكها هزالا وهو حامل قربة ماء بين يديه على الفرس والرجل في حليته ونفسه غير متصنع فقال له ابن المضجعي: ألا ترى ما يصنع هذا العلج منذ اليوم. قال: قد رأيته فما الذي تريد؟... أن تكفي المسلمين شره؟ قال: حبا وكرامة. ثم إنه وضع القربة بالأرض وبرز إليه غير مكترث به فتجاولا ساعة فلم يرى الناس إلا المسلم خارجا إليهم يركض ولا يدرون ما هناك، وإذا برأس العلج يلعب بها في يده. ثم ألقى الرأس بين يدي المنصور فقال له ابن المضجعي: عن هؤلاء الرجال أخبرتك... ثم رد إلى ابن المضجعي منزلته وأكرمة ونصر الله جيوش المسلمين وعساكر