إن الوضع الاعتيادي للبويضة هو في عنق الرحم، والحيامن مأمورة - بحكم الهداية الإلهية الفطرية - أن توصل أنفسها إلى البويضة، وتظهر جميع النشاطات في سبيل الوصول إليها ... وتكون النتيجة أن أحد تلك الحيامن يلقح البويضة ويصير سببا لظهور الانسان.
وكما أشرنا سابقا فإن تجارب العلماء قد أثبتت أن الخلايا تستمر في عملها حتى خارج البدن، ولا تنسى واجبها، ولهذا فإذا استطاع البروفسور الإيطالي من أن يضع بويضة المرأة في أنبوبة الاختبار بدلا من عنق الرحم وهيأ الظروف اللازمة لذلك، فإن الحيامن لا تقف عن أداء وظيفتها التي خلقت لأجلها، بل نلقح البويضة هناك وتوجد طفلا.
وهكذا فإن لكل مجموعة من الخلايا وظيفة معينة، تؤديها في محيطها الاعتيادي، ولا تكف عن إتيانها في الظروف غير الاعتيادية أيضا، وهذا السر العظيم للخلقة دقيق إلى درجة أن العلماء لم يتوصلوا بعد إلى كثير من رموزه.
«تتميز أنواع الخلايا بطريقتها في الحركة، وفي اتحاد إحداها مع الأخرى وشكل مجموعاتها، ودرجة نموها واستجابتها لمختلف الكيميائيات، والمواد التي تفرزها والطعام الذي تحتاجه، كما تتميز بشكلها وبنيانها... إن قوانين تنظيم كل مجموعة خلايا - أي كل عضو - مستمدة من هذه الخصائص العنصرية. وإذا كانت خلايا النسيج تملك فقط الصفات التي ينسبها علم التشريح لها، لما كان في استطاعتها أن تنشئ جسما حيا... انها تملك قوى أخرى، تكون مخبأة عادة ولكنها تصبح فعالة حينما تستجيب لتغييرات معينة في الوسيط، وهكذا تتاح لها فرصة علاج الحوادث غير المتوقعة إبان الحياة العادية أو في أثناء المرض...
وتتحد الخلايا في جماهير كثيفة هي الأنسجة والأعضاء التي يتوقفها تنظيمها الهندسي على الاحتياجات التكوينية والوظيفية للجسم في مجموعة» (1).