ثم جعل، سبحانه، من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض (1) وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا يصلح الولاة إلا باستقامة الرعية. فإذا أديت الرعية إلى الوالي حقه وأدى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم، واعتدلت معالم العدل، فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرعية واليها، أو أجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور فعمل بالهوى وعطلت الأحكام وكثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطل ولا لعظيم باطل فعل! فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار.
وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته بفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه، ولا امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه