على إمامة ذوي القربى من جهة وجوب مودتهم ولزوم محبتهم، وحقيقة المحبة الميل إلى المحبوب وإيثار مرضاته ومحبوباته على مرضاة النفس ومحبوباتها، والتأدب بآداب المحبوب والتخلق بأخلاقه كما يشير إليه قوله تعالى: [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله] وهذه الحالة هي المتابعة أو أنها تستلزمها، وقد قال الصبان الشافعي في معنى المحبة: إن المحبة المعتبرة الممدوحة هي ما كانت مع اتباع سنة المحبوب (1) وبالجملة أن المحبة الحقيقية إما أنها نفس المتابعة للمحبوب لأنها عبارة عن الميل إليه وانجذاب النفس إلى طلب رضاه ومرجعها إلى طاعة المحب للمحبوب، وإما أنها مستلزمة للمتابعة يجعلها حالة في النفس لأجلها يطلب مراضي المحبوب ويجتنب لها مسخوطاته إلا أن الأول هو المراد من الآية لأنه تعالى أراد المودة الخاصة التي هي بمعنى الموالاة لهم وقبول أقوالهم والأخذ بها ويوضح هذا المعنى أنه تعالى أوجب مودة ذوي القربى على المكلفين ولا يكلف الله العباد ما لا يطيقون لأنه قبيح عقلا ومنفي شرعا، ومن المتيقن أن المكلفين قادرون على المودة التي هي بمعنى المتابعة وليسوا بقادرين على تحصيل تلك الحالة التي تدعوا إلى المتابعة لأنها من فعل الله لا من فعل المكلف فلا يستطيع أحد أن يلقي في نفسه محبة أحد ولا بغض أحد، وإنما تحدث المحبة بأسباب أخر خارجة عن نفس إرادة الإنسان كما قال الله تعالى: [ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل] (2) فلا تكون المحبة بهذا المعنى مطلوبة من المكلف لعدم قدرته عليها وقبح تكليف الإنسان بما ليس في وسعه، والحاصل أن هذه المودة قبل حصولها لا تطلب من المكلف لخروجها عن طاقته وبعد حصولها له لا معنى لطلبها منه، لأنه تحصيل حاصل وهو ممتنع، ولأن المطلوبية تقتضي
(٥٩٣)