ولم يقتصر الخلاف على الأصول والعقائد بل انسحب على الفروع بقسميها التكليفي والوضعي، وربما اختلف أهل المذهب الواحد في المسألة الواحدة في كثير من مسائل العبادات والمعاملات تعرف ذلك بأول نظرة إلى الكتب التي حفلت بالفقه المقارن ومسائل الخلاف.
وكل ما ذكرنا فرع عن الخلاف في الإمامة. وليت الخلاف اقتصر على الكلام والجدل بل تخطاه إلى ما هو أدهى وأمر فكم قامت من حروب، وسفكت دماء، وهتكت حرمات، واستبيحت محرمات، وبيعت ضمائر، واشتريت ذمم وقد وصف ذلك عالم من علماء الأزهر وكاتب من كتاب مصر صفة لم يسبق فيها.
يقول الشيخ عبد الله عفيفي في كتابه القيم " المرأة العربية في جاهليتها واسلامها 2 / 135 ": ما زال المسلمون منذ لحق النبي بربه وهم من أمر خليفته، والقائم بالأمر من بعده، في فتنة غاشية تعصف بهم تارة وتقر دونهم رابضة مترصدة متحفزة تارة أخرى، فهي يومئذ غافية غفوة الذئب نائمة هاجعة ساكنة مستجمعة، كذلك تدافعت الحقب على الخلاف والدم ينغر من حروفها، والمهج تسيل على أطرافها، وشفار السيوف تصل من أقطارها، ورسل الموت رائحة بأسود الغابة، وفتيان الضراب من كل معتزم لو جرد في سبيل الله عزمته لفل بها الصفوف، وجندل الألوف.. ". حتى قال الشهرستاني في الملل والنحل 1 / 27: " أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذا ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية في كل زمان مثل ما سل على الإمامة في كل زمان " فمن يوم الدار إلى يوم الجمل وصفين والنهروان، ثم من فاجعة كربلا إلى يوم الحرة إلى انتهاك حرمة البلد الحرام والمسجد الحرام وإلى آخر ما تعرض له التاريخ في طوله وعرضه، ولعل ما خفي على الناس أكثر، إذ أن التاريخ كتبته السياسة، وليس بوسع الباحث أن