يقتل موسى منهم أحدا ولا دعا عليه بالهلاك، وحال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرأفة والحلم أعظم من موسى، ألا تراه في أحد حين أصابه الجراح والمشقة جعل يقول: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) (1) وجعل الدعاء لهم محل الدعاء عليهم، فكيف يقتل قوما مقرين بدينه بصدور مخالفة منهم في قول أو فعل، وإنما يكون القتل والتأديب بارتكاب ما يوجب الحدود، فكان النبي (صلى الله عليه وآله) يعمل معهم كعمل الأنبياء مع أصحابهم وذلك من أوضح الأدلة على نبوته، فكان يعفو ويصفح عن قتل من خالفه، وإن كان يجوز قتله لدفع توهم الناس أنه ليس بنبي، ولو كان كذلك لسار في أصحابه سيرة الأنبياء في أصحابهم فتركه إياهم وصفحه عنهم من جملة ما يثبت نبوته عند الناس، وقد عفى عن أهل مكة وكانوا مستحقين للقتل وقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) (2) وكم عفى عن مستحق للقتل لكنه مع ذلك كله يردعهم باللسان وإظهار الغضب على الجرأة والمخالفة، فلو كان خلافهم له جائزا لم يردعهم لكنه جمع بين الأمرين فزالت الشبهة بعون الله، وكيف يجوز رد أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والله تعالى يقول:
[فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم] ويقول: [فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما] ويقول: [يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون] (3) وغيرها من الآيات الواضحات في عدم جواز مخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله) والقرآن مملوء بها.