وروي مستفيضا أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان جالسا في المسجد وعنده أناس من الصحابة إذا جاء رجلان يختصمان فقال أحدهما يا رسول الله إن لي حمارا ولهذا بقرة وإن بقرته نطحت حماري فقتلته فبدر رجل من الحاضرين فقال لا ضمان على البهائم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اقض بينهما يا علي) فقال علي (عليه السلام): كان الحمار والبقرة موثقين أم كانا مرسلين أم أحدهما موثقا والآخر مرسلا فقال لا كان الحمار موثقا والبقرة مرسلة وصاحبها معها فقال علي (عليه السلام) على صاحب البقرة الضمان وذلك بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرر حكمه وأمضى قضاءه (1) قال بعض العامة: هناك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: (أقضاكم علي) (2).
قلت: ما أشبه هذه الواقعة بواقعة الحرث والغنم، وما أشبه حكم أمير المؤمنين فيها بحكم سليمان بن داود، وله (عليه السلام) مثل ذلك ما تضيق صدور الأرقام عن سطره وتعيى رؤوس الأقلام عن نقله ونظمه ونثره، وتكل الألسن عن ذكره ونشره، وقد ذكرنا جملة من الأخبار التي تدخل في سلك هذا الباب في رد احتجاج القوشجي على أفضلية الثلاثة وجميع ما أثبتناه من الأحاديث والآيات هنا بين ناص على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ومصرح بخلافته، وبين ظاهر فيها ومشير إليها، وكلها تصرح بأفضليته وتنطق بعلو شأنه وجلالته، فهي لما ذكرناه من النصوص المرتبة في الفصول السابقة معاضدة