ولم يستطع كفهم عن ذلك، وموسى طلبه فرعون ليقتله ومن معه ولم يقدر على مدافعة فرعون واضطر إلى عبور البحر، وأن عيسى بن مريم أراد اليهود قتله فرفعه الله، وغيرهم من الأنبياء الذين أوذوا وقتلوا وكلهم لم يكونوا متمكنين مما ذكره من القهر والزجر والقدرة على تنفيذ الأحكام وإعلاء لواء الإسلام (1) إما دائما أو في أكثر الأحوال ومع هذا لم تبطل نبوتهم وإمامتهم في حال من الأحوال ولا كان عدم تمكنهم واقتدارهم على ما ذكره وسطره مخرجا لهم عن كونهم ألطافا ولا مقتضيا للقدح في إمامتهم، وإذا لم يكن عدم القدرة على إنفاذ الأحكام وإعلاء لواء الدين موجبا لخروج النبي عن كونه لطفا من الله في خلقه لم يكن ذلك مبطلا للطفية خليفته لتساويهما في كونهما معا منصوبين من قبل الله تعالى فلا يخرجان عن الإمامة بعصيان الخلق، وقد علمت أن نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كذبه قومه كأبي جهل وأبي لهب وأبي سفيان وأضرابهم من رؤساء قريش وأرادوا قتله وأخافوا سبيله وجهدوا أنفسهم في ذلك حتى ألجئوه تارة إلى الحصار وأخرى إلى الغار والهجرة عن الوطن إلى الدار (2) ورمته العرب عن قوس واحدة وبذلوا جهدهم في قتله وقتل من معه افترى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) حين كان غير متمكن من الزجر عن القبائح ولا من إعلاء لواء الإسلام وغير قاهر أولي العصيان ليس بنبي ولا إمام وليس بلطف من الله في الأنام فيكون قد بطلت بذلك نبوته وزالت إمامته ولطفيته؟ ما أراك تقول ذلك ولا ترضى به، بل تقول نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبطلها تكذيب المكذبين وإمامته (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يفسدها عصيان العاصين، وكونه
(٣٣)