الثالث: إنه لو كان احتمال الخوف من الإمام في أداء الواجب وترك الحرام مفسدة توجب خروجه عن كونه لطفا لكان احتمال الخوف من النبي في إظهار كلمة الإسلام وفعل الواجب وترك الحرام مفسدة توجب خروجه عن كون بعثته لطفا لاشتراك العلة فيهما فيجب ألا يبعث نبي واللازم باطل بالاتفاق فالملزوم مثله، على أن اللطف كما علمت هو ما يحصل به الحث على الطاعة والردع عن المعصية ولا يبلغ إلى حد الإلجاء فالخوف منه في أداء الواجب وترك الحرام هو نفس كونه لطفا فكيف يكون مخرجا له عن اللطف؟
فحاصل هذا الاعتراض أن اللطف ليس بلطف ولا خفاء في تناقضه فالاعتراض به باطل من أصله غير محتاج إلى الجواب عنه، والعجب من القوشجي (1) كيف اعترض به على الدليل ثم عقبه بقوله: ولو سلم فإنما يجب لو لم يقم لطف آخر مقامه كالعصمة مثلا لم لا يجوز أن يكون زمان يكون الناس فيه معصومين مستغنين عن الإمام، والجواب أن هذا الفرض معلوم الاستحالة كما نعلم استحالة أن يكون زمان يكون الناس جميعهم في مؤيدين بالوحي السماوي والإلهام الإلهي والعصمة فيكونون مستغنين عن النبي لوجهين:
الأول: إن النفوس البشرية ليست بجملتها ذوات ذكاء وفطنة بحيث تكون قابلة للهداية بدون واسطة ولا ذوات قوة ونباهة بحيث يشرق عليها نور العرفان فتستغني به في ترك القبيح عن مؤدب كما هو المشاهد في الأمصار والأعصار، بل كثير من النفوس كالحشرات لا تقبل التعليم ولا التأديب كما قال تعالى: [إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا] (2) فأين الجميع من