زبدة المقال خلاصة القول في المقام، إن أي خضوع ينبع من الاعتقاد بأن المخضوع له إله العالم أو ربه أو فوض إليه تدبير العالم كله أو بعضه، يكون الخضوع بأدنى مراتبه عبادة ويكون صاحبه مشركا في العبادة إذا أتى به لغير الله، ويقابل ذلك الخضوع غير النابع من هذا الاعتقاد، فخضوع أحد أمام موجود وتكريمه - مبالغا في ذلك - من دون أن ينبع من الاعتقاد بألوهيته، لا يكون شركا ولا عبادة لهذا الموجود، وإن كان من الممكن أن يكون حراما، مثل سجود العاشق للمعشوقة، أو المرأة لزوجها، فإنه وإن كان حراما في الشريعة الإسلامية لكنه ليس عبادة بل حرام لوجه آخر، ولعل الوجه في حرمته هو أن السجود حيث إنه وسيلة عامة للعبادة عند جميع الأقوام والملل، صار بحيث لا يراد منه إلا العبادة، لذلك لم يسمح الإسلام بأن يستفاد منها حتى في الموارد التي لا تكون عبادة، والتحريم إنما هو من خصائص الشريعة الإسلامية، إذ لم يكن حراما قبله، وإلا لما سجد يعقوب وأبناؤه ليوسف (عليه السلام) إذ يقول عز وجل:
(ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا). (1) ومن هذا القبيل سجود الملائكة لآدم (عليه السلام).
قال الجصاص: قد كان السجود جائزا في شريعة آدم (عليه السلام) للمخلوقين، ويشبه أن يكون قد كان باقيا إلى زمان يوسف (عليه السلام) ... إلا أن السجود لغير الله على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر وأنس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
" ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ". (2)