توضيح ذلك: أن كل فرد من النظام الكوني بحكم كونه فقيرا ممكنا فاقد للوجود الذاتي، لكن فقره ليس منحصرا في بدء خلقته وإنما يستمر هذا الفقر معه في جميع الأزمنة والأمكنة وعلى هذا، فتدبير الكون لا ينفك عن خلقته وإيجاده بل الخلق تدبير باعتبار، والتدبير خلق باعتبار آخر.
فتدبير الوردة مثلا ليس إلا تكونها من المواد السكرية في الأرض ثم توليدها الأوكسجين في الهواء إلى غير ذلك من عشرات الأعمال الفيزيائية والكيميائية في ذاتها وليست كل منها إلا شعبة من الخلق، ومثلها الجنين مذ تكونه في رحم الأم، فلا يزال يخضع لعمليات التفاعل والنمو حتى يخرج من بطنها، وليست هذه التفاعلات إلا شعبة من عملية الخلق وفرع منه.
ولأجل وجود الصلة الشديدة بين التدبير والخلق نرى أنه سبحانه بعدما يذكر مسألة خلق السماوات والأرض يطرح مسألة تسخير الشمس والقمر الذي هو نوع من التدبير، قال تعالى:
(الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون). (1) ومن هذا الطريق يوقفنا القرآن الكريم على حقيقة التدبير الذي هو نوع من الخلق وقد عرفت أن لا خالق إلا الله تعالى.
2. انسجام النظام واتصال التدبير إن مطالعة كل صفحة من الكتاب التكويني العظيم يقودنا إلى وجود