حقيقة العبادة - على ما يستفاد من القرآن الكريم - هي " الخضوع والتذلل، لفظا أو عملا مع الاعتقاد بألوهية المخضوع له " فما لم ينشأ الخضوع من هذا الاعتقاد، لا يكون عبادة، ويدل على ذلك الآيات التي تأمر بعبادة الله وتنهى عن عبادة غيره، معللة ذلك بأنه لا إله إلا الله، كقوله سبحانه:
(ويا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره). (1) وقد ورد هذا المضمون في عشرة موارد أو أكثر في القرآن الكريم. (2) ومعنى هذا التعليل إن الذي يستحق العبادة هو من كان إلها، وليس هو إلا الله، فإذا تحقق وصف الألوهية في شئ جازت - بل وجبت - عبادته واتخاذه معبودا، وحيث إن الوصف لا يوجد إلا في الله سبحانه وجب عبادته دون سواه.
والمراد من الألوهية هو ما يعد من شؤون الإله، أعني: الاستقلال في الذات والصفات والأفعال، فمن اعتقد لشئ نحوا من الاستقلال إما في وجوده، أو في صفاته، أو في أفعاله وآثاره فقد اتخذه إلها، والأبحاث المتقدمة حول التوحيد الذاتي والصفاتي والأفعالي كانت هادفة لحصر الألوهية المطلقة لله سبحانه وإبطال ألوهية غيره تعالى.
ثم إن المستفاد من مطالعة عقائد الوثنية في كتب الملل والنحل - ويؤيده القرآن الكريم أيضا - إن معظم الانحرافات في مسألة التوحيد كان في مجال الربوبية والتدبير، فالمشركون مع اعترافهم بحصر الخالقية بالله تعالى وإن جميع من سواه مخلوق لله سبحانه، كانوا معتقدين بوجود