وأما في مجال الأحكام، فيكفي في ذلك الوقوف على أن بيان الأحكام الدينية حصل تدريجا على ما تقتضيه الحوادث والحاجات الاجتماعية في عهد الرسول ص، ومن المعلوم أن هذا النمط كان مستمرا بعد الرسول، غير أن ما ورثه المسلمون منه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن كافيا للإجابة عن ذلك، أما الآيات القرآنية في مجال الأحكام فهي لا تتجاوز ثلاثمائة آية، وأما الأحاديث في هذا المجال، فالذي ورثته الأمة لا تتجاوز خمسمائة حديث، وهذا القدر لا يفي بالإجابة على جميع الموضوعات المستجدة.
ولا نعني من ذلك أن الشريعة الإسلامية ناقصة في إيفاء أغراضها التشريعية وشمول المواضيع المستجدة، بل المقصود أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يراعي في إبلاغ الحكم حاجة الناس ومقتضيات الظروف الزمنية، فلا بد في إيفاء غرض التشريع على وجه يشمل المواضيع المستجدة والمسائل المستحدثة أن يستودع أحكام الشريعة من يخلفه ويقوم مقامه.
وأما في مجال رد الشبهات والتشكيكات وإجابة التساؤلات، فقد حصل فراغ هائل بعد رحلة النبي من هذه الناحية، فجاءت اليهود والنصارى تترى، يطرحون الأسئلة، حول أصول الإسلام وفروعه، ولم يكن في وسع الخلفاء آنذاك الإجابة الصحيحة عنها، كما يشهد بذلك التاريخ الموجود بأيدينا.
وأما في جانب صيانة المسلمين عن التفرقة، والدين عن الانحراف، فقد كانت الأمة الإسلامية في أشد الحاجة إلى من يصون دينها عن التحريف وأبناءها عن الاختلاف، فإن التاريخ يشهد على دخول جماعات عديدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى ومؤبدي المجوس بين المسلمين، فراحوا يدسون الأحاديث الإسرائيلية والأساطير النصرانية والخرافات المجوسية بينهم، ويكفي في ذلك أن يذكر الإنسان ما كابده البخاري من مشاق وأسفار في مختلف أقطار الدولة الإسلامية، وما رواه بعد ذلك، فإنه ألفي الأحاديث المتداولة بين المحدثين في الأقطار