إلى تلك الغرائز مصباحا يضئ له السبيل في مسيرة الحياة، ويفي بحاجاته التي تقصر الغرائز عن إيفائها، وهو العقل.
ومع ذلك كله فإن العقل أيضا غير كاف في إبلاغه إلى السعادة المتوخاة، بل يحتاج إلى عامل ثالث يعينه في بلوغ تلك الغاية، ووجه ذلك أن العقل الإنساني غير مصون عن الخطأ والزلل.
ثم إن أهم ما يحتاج الإنسان إلى التعرف عليه ليكون ناجحا في الوصول إلى السعادة المطلوبة من حياته أمران: المعرفة بالله سبحانه، والتعرف على مصالح الحياة ومفاسدها، والمعرفة الكاملة في هذين المجالين لا تحصل للإنسان إلا في ضوء الوحي وتعاليم الأنبياء، وأما العلوم الإنسانية فهي غير كافية فيهما.
ومما يوضح قصور العلم البشري في العلوم الإلهية إن هناك الملايين من البشر يقطنون بلدان جنوب شرق آسيا على مستوى راق في الصناعات والعلوم الطبيعية، ومع ذلك فهم في الدرجة السفلى في المعارف الإلهية، فجلهم - إن لم يكن كلهم - عباد للأصنام والأوثان، وببابك بلاد الهند الشاسعة وما يعتقده مئات الملايين من أهلها من قداسة وتأله في " البقر ".
نعم هناك نوابغ من البشر عرفوا الحق عن طريق التفكير والتعقل كسقراط وأفلاطون وأرسطو، ولكنهم أناس استثنائيون، لا يعدون معيارا في البحث، وكونهم عارفين بالتوحيد لا يكون دليلا على مقدرة الآخرين عليه.
على أنه من المحتمل جدا أن يكون وقوفهم على هذه المعارف في ظل ما وصل إليهم من التعاليم السماوية عن طريق رسله سبحانه وأنبيائه، قال صدر المتألهين:
" أساطين الحكمة المعتبرة عند اليونانيين خمسة: أنباذ قلس