إن امتناع الدور وجداني ولتوضيح الحال نأتي بمثال: إذا اتفق صديقان على إمضاء وثيقة واشترط كل واحد منهما لإمضائها، إمضاء الآخر فتكون النتيجة توقف إمضاء كل على إمضاء الآخر، وعند ذلك لن تكون تلك الورقة ممضاة إلى يوم القيامة، وهذا مما يدركه الإنسان بالوجدان وراء دركه بالبرهان.
الأمر الرابع: التسلسل محال، وهو عبارة عن اجتماع سلسلة من العلل والمعاليل الممكنة، مترتبة غير متناهية، ويكون الكل متسما بوصف الإمكان، بأن يتوقف (أ) على (ب) و (ب) على (ج) و (ج) على (د) وهكذا من دون أن تنتهي إلى علة ليست بممكنة ولا معلولة.
والدليل على استحالته أن المعلولية وصف عام لكل جزء من أجزاء السلسلة، فعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه: إذا كانت السلسلة الهائلة معلولة، فما هي العلة التي أخرجتها من كتم العدم إلى عالم الوجود؟ والمفروض أنه ليس هناك شئ يكون علة ولا يكون معلولا، وإلا يلزم انقطاع السلسلة وتوقفها عند نقطة خاصة، وهي الموجود الذي قائم بنفسه وغير محتاج إلى غيره وهو الواجب الوجود بالذات.
فإن قلت: إن كل معلول من السلسلة متقوم بالعلة التي تتقدمه ومتعلق بها، فالجزء الأول من آخر السلسلة وجد بالجزء الثاني، والثاني بالثالث، وهكذا إلى أجزاء وحلقات غير متناهية، وهذا المقدار من التعلق يكفي لرفع الفقر والحاجة. قلت: المفروض أن كل جزء من أجزاء السلسلة متسم بوصف الإمكان والمعلولية، وعلى هذا فوصف العلية له ليس بالأصالة والاستقلال، فليس لكل حلقة دور الإفاضة والإيجاد بالاستقلال، فلا بد أن يكون هناك علة وراء هذه السلسلة ترفع فقرها وتكون سنادا لها.