طلب الصلاة عند الأول وطلب تركها عند الثاني، فإن أراد تباينهما مفهوما فهو أظهر من أن يخفى، كيف وهما محمولان مختلفا الموضوع. وإن أراد كونهما مجعولين بجعلين فالحوالة على الوجدان لا البرهان. وكذا لو أراد كونهما مجعولين بجعل واحد فإن الوجدان شاهد على أن السببية والمانعية في المثالين اعتباران منتزعان كالمسببية والمشروطية والممنوعية. مع أن قول الشارع (دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة) ليس جعلا للإيجاب استتباعا كما ذكره، بل هو إخبار عن تحقق الوجوب عند الدلوك.
قال بعد ذلك: هذا كله في السبب والشرط والمانع والجزء، وأما الصحة والفساد فهما في العبادات موافقة الفعل المأتي به للفعل المأمور به أو مخالفته له. ومن المعلوم أن هاتين الموافقة والمخالفة ليستا بجعل جاعل. وأما في المعاملات فهما ترتب الأثر عليهما وعدمه، فمرجع ذلك إلى سببية هذه المعاملة لأثرها وعدم سببية تلك، فإن لوحظت المعاملة سببا لحكم تكليفي كالبيع لإباحة التصرفات والنكاح لإباحة الاستمتاعات فالكلام فيهما يعرف مما سبق في السببية وأخواتها، وإن لوحظت سببا لأمر آخر - كسببية البيع للملكية والنكاح للزوجية والعتق للحرية وسببية الغسل للطهارة - فهذه الأمور بنفسها ليست أحكاما شرعية. نعم الحكم بثبوتها شرعي وحقائقها إما أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية كما يقال: الملكية كون الشئ بحث يجوز الانتفاع به وبعوضه، والطهارة كون الشئ بحيث يجوز استعماله في الأكل والشرب والصلاة نقيض النجاسة.
وإما أمور واقعية كشف عنها الشارع فأسبابها على الأول في الحقيقة أسباب