قوله: جحر ضب خرب، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتا للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.
وثالثها: أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب، وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضا: إنها توجب المسح.
وذلك لأن قوله: * (وامسحوا برؤوسكم) * فرؤوسكم في محل النصب ولكنها مجرورة بالباء، فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس جاز في الأرجل النصب عطفا على محل الرؤوس، والجر عطفا على الظاهر، وهذا مذهب مشهور للنحاة.
إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله:
* (وأرجلكم) * هو قوله: * (وامسحوا) * ويجوز أن يكون هو قوله: * (فاغسلوا) * لكن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله * (وأرجلكم) * هو قوله * (وامسحوا) * فثبت أن قراءة * (وأرجلكم) * بنصب اللام توجب المسح أيضا، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية على وجوب المسح. ثم قالوا: ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز.
واعلم أنه لا يمكن الجواب عن هذا إلا من وجهين: أن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل، والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه (1)، وعلى هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الرجل يقوم مقام مسحها، والثاني: أن فرض الرجلين محدود إلى الكعبين، والتحديد إنما جاء في الغسل لا في المسح.