الاعتصام بالكتاب والسنة - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣١٦
إن التقية، اسم ل‍ " إتقى يتقي " (1) والتاء بدل من الواو، وأصله من الوقاية، ومن ذلك اطلاق التقوى على إطاعة الله، لأن المطيع يتخذها وقاية من النار والعذاب. والمراد هو التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق.
مفهومها:
إذا كانت التقية هي اتخاذ الوقاية من الشر، فمفهومها في الكتاب والسنة هو:
إظهار الكفر وإبطان الإيمان، أو التظاهر بالباطل وإخفاء الحق. وإذا كان هذا مفهومها، فهي تقابل النفاق، تقابل الإيمان والكفر، فإن النفاق ضدها وخلافها، فهو عبارة عن إظهار الإيمان وابطان الكفر، والتظاهر بالحق وإخفاء الباطل، ومع وجود هذا التباين بينهما فلا يصح عدها من فروع النفاق.
نعم: من فسر النفاق بمطلق مخالفة الظاهر للباطن، وبه صور التقية - الواردة في الكتاب والسنة - من فروعه، فقد فسره بمفهوم أوسع مما هو عليه في القرآن، فإنه يعرف المنافقين بالمتظاهرين بالإيمان والمبطنين للكفر بقوله تعالى: * (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) * (2) فإذا كان هذا حد المنافق فكيف يعم من يستعمل التقية تجاه الكفار والعصاة فيخفي إيمانه ويظهر الموافقة لغاية صيانة النفس والنفيس،

١ - قال ابن الأثير في النهاية: ٥ / 217: وأصل اتقى: أوتقى فقلبت الواو ياء لكسرة قبلها ثم أبدلت تاء وأدغمت. ومنه حديث علي - عليه السلام -: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله، أي جعلناه وقاية من العدو. ولاحظ لسان العرب مادة " وقى ".
2 - المنافقون: الآية 1.
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»
الفهرست