وثالث الفصول، يشهد على أن محمدا " صلى الله عليه وآله وسلم " رسوله، الذي بعثه لإبلاغ رسالاته وإنجاز دعوته.
ففي نهاية ذلك الفصل يتبدل صراحه وإعلانه من الشهادة، إلى الدعوة إلى الصلاة التي فرضها والتي بها يتصل الإنسان بعالم الغيب، وفيها يمتزج خشوعه، بعظمة الخالق، ثم الدعوة إلى الفلاح والنجاح، وخير العمل (1) التي تنطوي عليها الصلاة.
وفي نهاية الدعوة إلى الفلاح وخير العمل، يعود ويذكر الحقيقة الأبدية التي صرح بها في أوليات فصوله ويقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
هذه هي حقيقة الأذان وصورته والجميع سبيكة واحدة أفرغتها يد التشريع السماوي في قالب جمل، تحكي عن حقائق أبدية، تصد الإنسان عن الإنكباب في شواغل الدنيا وملاذها.
هذا ما يحسه كل إنسان واع منصت للأذان، ومتدبر في فصوله ومعانيه، ولكن هنا حقيقة مرة لا يمكن لي ولا لغيري إخفاؤها - بشرط التجرد عن كل رأي مسبق، أو تعصب لمذهب - وهو أن المؤذن إذا انحدر من الدعوة إلى الصلاة، والفلاح وخير العمل - في أذان صلاة الفجر - إلى الإعلان بأن الصلاة خير من النوم ، فكأنما ينحدر من قمة البلاغة إلى كلام عار عن الرفعة والبداعة، يعلن شيئا يعرفه الصبيان ومن دونهم، يصيح - بجد وحماس - على شئ لا يجهله إلا من يجهل البديهيات، فإن صراخه وإعلانه بأنها خير من النوم، أشبه بصراخ من يعلن في محتشد كبير بأن الاثنين نصف الأربعة.