والظاهر من سياق الآيتين أن قوله: * (وأشهدوا) * راجع إلى الطلاق وإلى الرجعة معا والأمر للوجوب، لأنه مدلوله الحقيقي، ولا ينصرف إلى غير الوجوب - كالندب - إلا بقرينة ولا قرينة هنا تصرفه عن الوجوب، بل القرائن هنا تؤيد حمله على الوجوب - إلى أن قال: - فمن أشهد على طلاقه، فقد أتى بالطلاق على الوجه المأمور به، ومن أشهد على الرجعة فكذلك، ومن لم يفعل فقد تعدى حدود الله الذي حده له فوقع عمله باطلا، لا يترتب عليه أي أثر من آثاره - إلى أن قال: - وذهب الشيعة إلى وجوب الإشهاد في الطلاق وأنه ركن من أركانه، ولم يوجبوه في الرجعة والتفريق بينهما غريب لا دليل عليه (1).
وقال أبو زهرة: قال فقهاء الشيعة الإمامية الاثني عشرية والإسماعيلية: إن الطلاق لا يقع من غير إشهاد عدلين، لقوله تعالى " في أحكام الطلاق وإنشائه في سورة الطلاق ": * (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) * فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر إنشاء الطلاق وجواز الرجعة، فكان المناسب أن يكون راجعا إليه، وإن تعليل الإشهاد بأنه يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يرشح ذلك ويقويه، لأن حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلى الزوجين، فيكون لهما مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله سبحانه وتعالى.
وأنه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين (2).