ومحو زيد بن ثابت للصحيفة ثم إحراقها، وتذكيره بالله من يعلم أنه توجد صحيفة أخرى في موضع آخر ولو بعيدا، أن يخبره بها ليسعى إليها ويحرقها...
وقول سعيد بن جبير عن ابن عمر: إنه لو كان يعلم بأنه يكتب عنه لكان ذلك فاصلا بينهما. ومحو عبد الله بن مسعود للصحيفة التي جاءه بها عبد الرحمن بن الأسود وعلقمة، وقوله عند ذلك: إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره.
كل هذا الذي أورده ابن عبد البر، وأمثاله مما رواه غيره، كإحراق أبي بكر لما كتبه، وعدم وصول شئ من صحف الصحابة إلى التابعين، وكون التابعين لم يدونوا الحديث لنشره إلا بأمر الأمراء، يؤيد ما ورد من أنهم كانوا يكتبون الشئ لأجل حفظه، ثم يمحونه... وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث بل في رغبتهم عنه، بل في نهيهم عنه، قوي عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) دينا عاما دائما كالقرآن!
ولو كانوا فهموا من النبي أنه يريد ذلك لكتبوا ولأمروا بالكتابة، ولجمع الراشدون ما كتب، وضبطوا ما وثقوا به وأرسلوه إلى عمالهم ليبلغوه ويعملوا به، ولم يكتفوا بالقرآن). انتهى.
فتأمل جيدا قوله: (قوي عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) دينا عاما دائما كالقرآن)! فالسر كله في رفض بعض السنة وقبول بعضها!!
* *