أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له، فرجع فأرسل عمر في أثره فقال: لم رجعت؟ قال سمعت رسول الله يقول: إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع. قال لتأتيني على ذلك ببينة، أو لأفعلن بك)! انتهى.
أقول: لابد أن نحمل عمل عمر على أنه تأديب لصديقه أبي موسى الأشعري، في مرة من مرات عدم رضاه عليه! ولا يمكن أن نحمله على أنه كان يتثبت من أحاديث الآحاد، وهو الذي نهى عن أصل التحديث عن النبي صلى الله عليه وآله حتى مع التثبت، وعاقب عليه بالجلد والسجن؟! وهو الذي قبل من أبي بكر حديثا لم يروه أحد غيره، وخصص به عموم القرآن، عندما رفض أبو بكر أن يعطي الزهراء عليهما السلام إرثها من النبي صلى الله عليه وآله وادعى أن النبي صلى الله عليه وآله مستثنى من آيات الإرث، وأنه سمعه يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث! فلم يقل له عمر: (لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك)!
قال الغزالي في المستصفى ص 249: (وكلام من ينكر خبر الواحد ولا يجعله حجة في غاية الضعف، ولذلك ترك توريث فاطمة رضي الله عنها بقول أبي بكر: نحن معاشر الأنبياء لا نورث.. الحديث)!
وقال في المنخول ص 252: (قالت المعتزلة: لا يخصص عموم القرآن بأخبار الآحاد، فإن الخبر لا يقطع بأصله بخلاف القرآن.
وقالت الفقهاء يخصص به لأنه يتسلط على فحواه، وفحواه غير مقطوع به.
قال القاضي: أنا أتوقف فيه، إذ ظاهر القرآن مقطوع الأصل غير مقطوع الفحوى، ونص أخبار الآحاد مقطوع الفحوى غير مقطوع الأصل. والمختار أنه يخصص، لعلمنا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقبلون حديثا نصا ينقله إليهم الصديق في تخصيص عموم القرآن، كيف وكانوا يقبلون نقل التفسير من الآحاد