يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب، فروى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد: أن أبا موسى سلم على عمر من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له، فرجع فأرسل عمر في أثره فقال لم رجعت؟ قال سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع. قال لتأتيني على ذلك بينة أو لأفعلن بك! فجاءنا أبو موسى منتقعا لونه ونحن جلوس فقلنا ما شأنك؟ فأخبرنا وقال: فهل سمعه أحد منكم؟ فقلنا نعم، كلنا سمعه فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره.
أحب عمر أن يتأكد عنده خبر أبي موسى بقول صاحب آخر، ففي هذا دليل عن أن الخبر إذا رواه ثقتان كان أقوى وأرجح مما انفرد به واحد، وفي ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكي يرتقى عن درجة الظن إلى درجة العلم، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم، ولا يكاد يجوز ذلك على ثقتين لم يخالفهما أحد. وقد كان عمر من وجله أن يخطئ الصاحب على رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرهم أن يقلوا الرواية عن نبيهم، ولئلا يتشاغل الناس بالأحاديث عن حفظ القرآن.
وقد روي عن شعبة وغيره، عن بيان الشعبي، عن قرظة بن كعب قال: لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر وقال: أتدرون لم شيعتكم؟ قالوا نعم تكرمة لنا. قال: ومع ذلك إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم. جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله، وأنا شريككم! فلما قدم قرظة بن كعب قالوا حدثنا فقال: نهانا عمر رضي الله عنه!
... عن أبي هريرة قلت له: أكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟ فقال: لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم، لضربني بمخفقته!
... عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري، فقال قد أكثرتم الحديث عن رسول الله (ص).