ثم قال المازري: فإن قيل: فما معنى قوله وأغضب كما يغضب البشر، فإن هذا يشير إلى أن تلك الدعوة وقعت بحكم سورة الغضب، لا أنها على مقتضى الشرع فيعود السؤال؟!
فالجواب: أنه يحتمل أنه أراد أن دعوته عليه أو سبه أو جلده كان مما خير بين فعله له عقوبة للجاني، أو تركه والزجر له بما سوى ذلك، فيكون الغضب لله تعالى بعثه على لعنه أو جلده، ولا يكون ذلك خارجا عن شرعه.
قال: ويحتمل أن يكون ذلك خرج مخرج الإشفاق وتعليم أمته الخوف من تعدي حدود الله، فكأنه أظهر الإشفاق من أن يكون الغضب يحمله على زيادة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما وقعت، أو إشفاقا من أن يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني لولا الغضب ما زادت، ويكون من الصغائر على قول من يجوزها، أو يكون الزجر يحصل بدونها.
ويحتمل أن يكون اللعن والسب يقع منه من غير قصد إليه، فلا يكون في ذلك كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله وطلبا للإستجابة.
وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال الأخير فقال: يحتمل أن يكون ما ذكره من سب ودعاء غير مقصود ولا منوي، لكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد، للعتب لا على نية وقوع ذلك كقولهم: عقرى حلقى، وتربت يمينك، فأشفق من موافقة أمثالها القدر فعاهد ربه ورغب إليه أن يجعل ذلك القول رحمة وقربة. انتهى.
وهذا الاحتمال حسن إلا أنه يرد عليه قوله: جلدته، فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه إذ لا يقع الجلد عن غير قصد! وقد ساق الجميع مساقا واحدا، إلا إن حمل على الجلدة الواحدة فيتجه! ثم أبدى القاضي احتمالا آخر فقال: كان لا يقول