وقال روجيه غارودي:
((سوف تكون مهمة النظرية المادية للمعرفة على وجه التحديد ان لا تقطع ابدا الفكر الفلسفي عن الفكر العالمي ولا عن النشاط العملي التاريخي)) (1).
وبالرغم من اصرار الماركسية على الطابع العلمي لفلسفتها ورفض أي لون من التفكير الميتافيزيقي، نجد ان الماركسية لا تتقيد في فلسفتها بالحدود العلمية للبحث، ذلك ان الفلسفة التي تنبع من الخبرة العلمية يجب ان تمارس مهمتها في الحقل العلمي ولا تتجاوزه إلى غيره، فالمجال المشروع لفلسفة علمية كفلسفة الماركسية في زعمها وان كان أوسع من المجال المنفرد لكل علم لأنها تستهدي بمختلف العلوم، ولكن لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون أوسع، من المجالات العلمية مجتمعة أي المجال العلمي العام وهو الطبيعة التي يمكن إخضاعها للتجربة أو الملاحظة الحسية المنظمة، فليس من صلاحية الفلسفة العلمية أن تتناول في البحث مسائل ما وراء الطبيعة وتحكم فيها بشيء إيحابي أو سلبي لان رصيدها العلمي لا يمدها في تلك المسائل بشيء، فالقضية الفلسفية القائلة (للعالم مبدأ أول وراء الطبيعة) ليس من حق الفلسفة العلمية ان تتناولها بنفي أو اثبات لان محتواها خارج عن مجال التجربة.
وبالرغم من ذلك نرى ان الماركسية تتدخل في هذا اللون من القضايا وتجيب عليها بالنفي الأمر الذي يجعلها تتمرد على حدود الفلسفة العلمية وتنساق إلى بحث ميتافيزيقي، لأن النفي فيما يتصل بما وراء عالم الطبيعة كالاثبات وكلاهما من الفلسفة الميتافيزيقية وبذلك يبدو التناقض بين الحدود التي يجب أن تقف عندها الماركسية في بحثها الفلسفي بوصفها صاحبة فلسفة علمية وبين انطلاقها في البحث إلى أوسع من ذلك.
وبعد أن ربطت الماركسية فلسفتها بالعلم وآمنت بضرورة تطور المحصول الفلسفي وفقا للعلوم الطبيعية ومشاركة الفلسفة للعلم في نموه وتكامله تبعا