المعنى في ضوء هذا التطوير للكلمة لا يتناقض مع التسليم بأنها ذات معنى في استعمال آخر للكلمة لا تدمج فيه التجربة في المعنى.
ولا أدري ماذا يقول الأستاذ آير وأمثاله من الوضعيين عن القضايا التي تتصل بعالم الطبيعة. ولا يملك الانسان القدرة على التثبت من صوابها أو خطئها بالتجربة. كما إذا قلنا (ان الوجه الآخر للقمر الذي لا يقابل الأرض زاخر بالجبال والوديان) فإننا لا نملك وقد لا يتاح لنا في المستقبل أن نملك الامكانات التجريبية لاستكشاف صدق هذه القضية أو كذبها بالرغم من أنها تتحدث عن الطبيعة، فهل يمكن أن تعتبر هذه القضية خاوية لا معنى لها مع اننا نعلم جميعا أن العلم كثيرا ما يطرح قضايا من هذا القبيل على صعيد البحث قبل أن يملك التجربة الحاسمة بصددها ويظل يبحث عن ضوء ليسلطه عليها حتى يجده في نهاية المطاف أو يعجز عن الظفر به، فلماذا كل هذا الجهد العلمي لو كانت كل قضية لا تحمل بيدها دليل صدقها أو كذبها من التجربة خواء ولغوا من القول؟
وتحاول الوضعية في هذا المجال ان تستدرك، فهي تقول ان المهم هو الامكان المنطقي لا الامكان الفعلي، فكل قضية كان ممكنا من الوجهة النظرية الحصول على تجربة هادية بشأنها، فهي ذات معنى وجديرة بالبحث وان لم تملك هذه التجربة فعلا.
ونحن نرى ان هذه المحاولة، ان الوضعية قد استعارت مفهوما ميتافيزيقيا لتكميل بنائها المذهبي الذي شادته لنسف الميتافيزيقا، وذلك المفهوم هو الامكان المنطقي الذي ميزته عن الامكان الفعلي، والا فما هو المعطى الحسي للامكان المنطقي؟ تقول الوضعية ان التجربة ما دامت غير ممكنة في الواقع، فماذا يبقى للامكان النظري من معنى غير مفهومه الميتافيزيقي الذي لا أثر له على صورة الواقع الخارجي ولا تختلف المعطيات الحسية تبعا له، أفلم يصبح مقياس الوضعية للكلام المفهوم ميتافيزيقيا في نهاية الشوط، وبالتالي كلاما غير مفهوم في رأيها؟
ولنترك الأستاذ آير، ولنأخذ كلمة المعنى بمدلولها المتعارف دون أن ندمج