للتجربة ففي امكان التجربة ان تقدم الدليل على أن الفلزات تتمدد بالحرارة، وأن القطر مضروبا ب 100 / 3. 14 يساوي محيط الدائرة. وعلى العكس من ذلك المحتوى المباشر للأسئلة الفلسفية فان المبدأ الأول وجوهر العلاقة بين العلة والمعلول، والتصاعد اللانهائي في الأسباب، والعنصر الروحي في الانسان أمور ميتافيزيقية لا يمتد إليها الحس التجريبي ولا يمكن تسليط الأضواء في المعمل عليها.
وهكذا قامت الثنائية بين الفلسفة والعلم على أساس اختلافهما في أداة التفكير وموضوعة، وقد بدت هذه الثنائية أو هذا التوزيع للأعمال الفكرية بين الفلسفة والعلم امرا مشروعا ومقبولا عند كثير من العقليين الذين يؤمنون بالطريقة العقلية في التفكير ويعترفون بوجود مبادئ ضرورية أولى للمعرفة البشرية. وأما أنصار المذهب التجريبي الذين آمنوا بالتجربة وحدها وكفروا بالطريقة العقلية في التفكير فقد كان من الطبيعي لهم أن يوجهوا هجوما عنيفا على الفلسفة بوصفها كيانا مستقلا عن العلم لأنهم لا يقرون كل معرفة ما لم ترتكز على التجربة وما دامت الموضوعات التي تعالجها الفلسفة خارجة عن حدود الخبرة والتجربة فلا أمل في الوصول إلى معرفة صحيحة فيها، فيجب على الفلسفة في رأي المذهب التجريبي ان تتخلى عن وظيفتها وتعترف بتواضع ان المجال الوحيد الذي يمكن للانسانية درسه انما هو مجال التجربة الذي تقاسمته العلوم ولم تدع للفلسفة منه شيئا.
وهكذا نعرف ان شرعية الكيان الفلسفي ترتبط بنظرية المعرفة وما تقرره من الايمان بالطريقة العقلية في التفكير أو رفضها.
وعلى هذا الأساس شجبت عدة من مدارس الفلسفة المادية المحدثة كيان الفلسفة المستقل القائم على أساس الطريقة العقلية في التفكير، وسمحت بقيام فلسفة ترتكز على أساس المحصول الفكري لمجموع العلوم والتجارب الحسية ولا تتميز عن العلم في طريقها وموضوعها، وتستخدم هذه الفلسفة العلمية للكشف عن العلاقات والروابط بين العلوم ولوضع نظريات علمية عامة تعتمد على حصيلة التجربة في مجموع الحقول العلمية كما ان لكل علم فلسفته