القوانين تعطى للنتائج العلمية مفهومها الفلسفي ويوضع للحياة العقلية تفسيرها الأعمق.
فالصلة بين علم النفس وفلسفته، كالصلة بين العلوم الطبيعية التجريبية وفلسفتها، إذ تدرس علوم الطبيعة ظواهر الكهرباء المتنوعة، من تيارات ومجالات، وجهد وحث كهربائيين، وما إلى ذلك من قوانين الكهرباء الفيزيائية. وندرس على هذا النحو أيضا مختلف ظواهر المادة والطاقة. وأما حقيقة الكهرباء وحقيقة المادة أو الطاقة، فهي من حق البحث الفلسفي، وكذلك الامر في الحياة العقلية. فان البحث العلمي يتناول الظواهر النفسية، التي تدخل في نطاق التجربة الذاتية أو الموضوعية، ويوكل الحديث عن طبيعة الادراك، وحقيقة المحتوى الداخلي للعمليات العقلية، إلى فلسفة النفس، أو علم النفس الفلسفي.
وفي ضوء هذا نستطيع ان نميز دائما بين الجانب العلمي من المسألة، والجانب الفلسفي. وفيما يلي مثالان لذلك من مواضيع البحث السيكولوجي:
الأول: الملكات العقلية، التي يلتقي فيها الجانبان معا. فالجانب الفلسفي يتمثل في نظرية الملكات القائلة بتقسيم العقل الانساني إلى قوى وملكات عديدة للألوان من النشاط، كالانتباه، والخيال، والذاكرة، والتفكير، والإرادة، وما إليها من سمات. فهذه الفكرة تدخل في النطاق الفلسفي لعلم النفس، وليست فكرة علمية بالمعنى التجريبي للعلم، لان التجربة سواء كانت ذاتية كالاستبطان، أم موضوعية كالملاحظة العلمية لسلوك الغير الخارجي، ليس في امكاناتها علميا، ان تكشف عن تعدد الملكات أو وحدتها. فان كثرة القوى العقلية أو وحدتها، لا تقعان في ضوء التجربة، مهما كان لونها. وأما الجانب العلمي من مسألة الملكات، فيعني نظرية التدريب الشكلي في التربية، التي تنص على أن الملكات العقلية يمكن تنميتها ككل، وبلا استثناء بالتدريب في مادة واحدة، وفي نوع واحد من الحقائق. وقد أقر هذه النظرية عدة من علماء النفس التربوي، المؤمنين بنظرية الملكات، التي كانت تسيطر على التفكير السيكولوجي، إلى القرن التاسع