الأخرى في تأثرها بالتفسير السلوكي وسقوط قيمتها وعدم امكان دراستها بأي لون من الألوان.
والواقع هو عكس ما رامته السلوكية تماما، فليس الادراك والفكر فعلا فيزيولوجيا، ينعكس عن منبه شرطي، نظير افراز اللعاب، كما يزعم السلوكيون، بل نفس افراز اللعاب هذا، يعني شيئا غير مجرد رد الفعل المنعكس، يعني ادراكا وهذا الادراك هو السبب في إثارة المنبه الشرطي للاستجابة المنعكسة. فالادراك هو الحقيقة التي نتبينها وراء ردود فعل المنبه الشرطي، وليس لونا من ألوان تلك الردود، ونعني بهذا ان افراز الكلب لعابه، عند حدوث المنبه الشرطي، لم يكن مجرد فعل آلي بحت، كما تعتقد السلوكية، بل كان نتيجة ادراك الكلب مدلول المنبه الشرطي، فخطوات الخادم، باقترانها مع مجيء الطعام في تجارب متكررة، أصبحت تدل على مجيئه، وأصبح الكلب يدرك مجيء الطعام، عند سماعها، فيفرز لعابه استعدادا للموقف الذي يبشر به المنبه الشرطي وكذلك الطفل إذ يبدو عليه شيء من الارتياح، عند تهيؤ مرضعته لارضاعه، بل عند اخباره بمجيئها، إذا كان يملك فهما لغويا. فان هذا الارتياح ليس مجرد فعل فيزيولوجي منعكس عن شيء خارجي ارتبط بالمثير الطبيعي، بل هو منبثق عن ادراك الطفل مدلول المنبه الشرطي، إذ يستعد حينئذ للارتضاع، ويشعر بارتياح. ولذا نجد فرقا في درجات الارتياح، بين الارتياح الذي يثيره المنبه الطبيعي، وبين الارتياح الذي تثيره المنبهات الشرطية، لأجل ان ذاك ارتياح أصيل، وهذا ارتياح الامل والترقب. ويمكننا ان نبرهن علميا على عدم كفاية التفسير السلوكي للتفكير عن طريق التجارب التي قام على أساسها مذهب الجشطالت في علم النفس، إذ برهنت هذه التجارب على أن من المستحيل ان نفسر حقائق الادراك على أساس سلوكي بحت وبوصفها مجرد استجابات للمنبهات المادية التي يتلقى الدماغ رسائلها في صورة عدد من الدوافع العصبية المتفرقة، بل يجب، لكي نفسر حقائق الادراك تفسيرا كاملا، ان نؤمن بالعقل ودوره الايجابي الفعال وراء الانفعالات والاستجابات العصبية التي تثيرها المنبهات، ولنأخذ الادراك